الحضور في الجامعة: بين الالتزام والاختيار

الجامعة مؤسسة مركزية في مسار التعليم، ومكان لتلاقح الأفكار والثقافات، ومساحة لصقل شخصية الطالب وتنمية مهاراته. لكن اليوم تشهد الحياة الجامعية نوعا من الخمول والجمود، يهدد جوهرها وروحها. فماذا أصاب الجامعة؟ وهل المشكل في المناهج، في الأساتذة، أم في الطالب نفسه؟
من يمر بجنبات كثير من الكليات، خاصة في الكليات ذات الاستقطاب المفتوح، يدرك بسهولة أن الحياة الجامعية لم تعد كما يفترض لها أن تكون. مدرجات شبه فارغة، أنشطة طلابية نادرة، حوارات فكرية شبه غائبة، وطلبة لا يأتون إلى الجامعة إلا يوم الامتحان، أو بالكاد في بعض الحصص الإجبارية.
أصابع الاتهام توجه إلى المناهج التعليمية، التي لا تزال في كثير من التخصصات حبيسة التلقين والحشو النظري، دون ربط بالواقع ولا تحفيز على البحث والإبداع. كما يلام بعض الأساتذة، ممن يغيب عنهم الحس البيداغوجي، ويدرسون وكأنهم يؤدون واجبا إداريا أكثر منه رسالة علمية.
ولا يقتصر الأمر على هذه العوامل فقط. فهناك أيضا ما يمكن تسميته بـ”الفتور النفسي”، أو العزوف الذاتي لدى الطلبة أنفسهم. كثير منهم يشعرون بانعدام الحافز، وفقدان الجدوى، في ظل غموض الآفاق المهنية، والبطالة المتفاقمة، والهوة بين ما يدرس وما يطلب في سوق الشغل. يشعر الطالب أنه يضيع سنوات من عمره في دراسة لا يرى لها معنى، فيتحول إلى “طالب غائب حاضر”، يكتفي بتوقيع الحضور حين يطلب ، وينتظر الامتحانات ليظهر.
وهذا ما يضعف علاقة الطالب بالجامعة، فلا يشارك في الأنشطة الثقافية، ولا يبادر بالنقاش، ولا يطور مهاراته الذاتية. تصبح الجامعة بالنسبة له مجرد محطة إدارية لنيل شهادة، لا فضاء للتكوين الذاتي والمعرفي.
ففي عدد من الكليات المغربية، بات مشهد القاعات شبه الخالية خلال المحاضرات مألوفا، حتى أن بعض الأساتذة يدرسون أمام عدد محدود من الطلبة. لكن هذا الغياب لا يرتبط دائما بعدم الرغبة، بل يتقاطع فيه ما هو تربوي بما هو اجتماعي. فبعض الطلبة يواجهون صعوبات في التنقل، أو يضطرون للعمل إلى جانب الدراسة، بينما يشعر آخرون بأن مضمون المحاضرات يمكن تحصيله ذاتيا دون حضور فعلي. كما أن غياب التفاعل داخل الفصول، واعتماد التلقين بدل النقاش، يجعل المحاضرة بالنسبة للبعض مجرد تكرار لما هو مكتوب في المطبوعات، لا تجربة تعليمية حية.