أزمة السكن الجامعي

شكل مشكل السكن الجامعي في المغرب معاناة حقيقية للآلاف من الطلبة، خاصة مع تزايد أعدادهم سنة بعد أخرى، وتوجههم نحو المدن الكبرى لمتابعة دراستهم الجامعية. فرغم أن السكن يعد من الأساسيات التي تضمن الاستقرار النفسي والاجتماعي للطالب، إلا أن العرض المتوفر لا يكفي لتلبية الحاجيات المتزايدة.
في هذا السياق، أوضح وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، السيد عز الدين ميداوي، أن الطاقة الاستيعابية الحالية للأحياء الجامعية لا ترقى إلى مستوى الطلب، معتبرا أن “العرض غير كاف ولا يسد الغرض”، حيث لا يتجاوز عدد الأسرة المتوفرة حاليا 60 ألفا و118 سريرا، موزعة على 27 حيا جامعيا بمختلف جهات المملكة.
ولتقليص الفجوة بين العرض والطلب، كشفت الوزارة عن خطة توسعية متعددة الأبعاد، تقوم على تعزيز البنية التحتية العمومية، وتوسيع الأحياء الجامعية القائمة، والانفتاح على الشراكات مع القطاع الخاص. وفي هذا الإطار، تم توقيع 18 اتفاقية شراكة مع فاعلين خواص، أفضت إلى إحداث ثماني إقامات جامعية جديدة توفر ما مجموعه 6 آلاف و400 سرير، ضمن برنامج أشمل يستهدف إضافة 12 ألف سرير في المجمل.
كما أعلنت الوزارة عن إحداث ستة أحياء جامعية جديدة في مدن تارودانت، بني ملال، العرائش، آسفي، وجدة، بطاقة استيعابية تقدر بـ7 آلاف و500 سرير، بدعم من البنك الإفريقي للتنمية، إلى جانب افتتاح أحياء جديدة في القنيطرة، تازة، أكادير، المحمدية، وتوسعة حي جامعي قائم بمدينة الناظور.
غير أن هذه المشاريع، حتى بعد اكتمالها، لن ترفع العدد الإجمالي للأسرة الجامعية إلى أكثر من 100 ألف، في وقت يتجاوز فيه عدد الطلبة بالمغرب عتبة المليون. ما يعني أن أقل من 7 في المائة فقط من الطلبة يستفيدون من السكن الجامعي، فيما يجبر الباقون على البحث عن حلول بديلة في ظروف غالبا ما تكون صعبة وغير مستقرة.
الكثير من الطلبة، خصوصا القادمين من قرى ومناطق بعيدة ، يجدون أنفسهم مجبرين على كراء غرف صغيرة لدى الخواص أو تقاسم شقق مع طلبة آخرين لتقليص التكاليف. فكراء غرفة واحدة فقط قد يصل إلى ما بين 800 و1500 درهم شهريا، بل يتعدى ذلك في مدن مثل الرباط أو مراكش أو الدار البيضاء، دون احتساب مصاريف الأكل والتنقل. هذه التكاليف ترهق ميزانيات الأسر، خاصة ذات الدخل المحدود، وتجعل الحياة الجامعية مليئة بالتوتر بدل التركيز على الدراسة.
في المقابل، توفر الأحياء الجامعية الحكومية غرفا بأسعار رمزية لا تتجاوز 40 درهما شهريا، لكنها محدودة من حيث العدد، ومقيدة بشروط دقيقة للاستفادة منها، مثل الوضعية الاجتماعية وغيرها، مما يقصي عددا كبيرا من الطلبة المحتاجين.
ورغم وجود مجهودات واضحة لتوسيع العرض السكني من خلال مشاريع البناء والتعاون مع القطاع الخاص، فإنها تظل خطوات جزئية لا ترقى إلى مستوى الارتفاع المتسارع في أعداد الطلبة، خصوصا في المدن الجامعية الكبرى التي تشهد ضغطا هائلا على الخدمات الأساسية.
فالطلبة اليوم لا يطالبون برفاهية، بل بحق بسيط وأساسي يضمن لهم حياة كريمة أثناء مسارهم الدراسي.