هذا الموقع يحتوي على مقالات مترجمة آلياً بواسطة ذكاء اصطناعي، وقد يتضمن بعض الأخطاء غير المقصودة. يُنصح بالتحقق من المعلومات المهمة.

منبر الطلاب

واقع التوجيه المدرسي 

يعد التوجيه التربوي في المغرب حلقة أساسية في المسار الدراسي للتلاميذ، فهو لا يكتفي بإرشادهم نحو شعب ومسالك دراسية بعينها، بل يفترض فيه أن يواكبهم في بناء اختياراتهم وفق ميولاتهم وكفاءاتهم، وبما ينسجم مع متطلبات الحياة وسوق الشغل. ورغم الجهود المبذولة في هذا المجال، لا يزال التوجيه يعيش بين تصور طموح وواقع يفرض تحديات متعددة، سواء من حيث الموارد أو آليات التفعيل أو التفاعل مع انتظارات المتعلمين وأسرهم.

وقد اعتمدت وزارة التربية الوطنية خلال السنوات الأخيرة مقاربة تشاركية في تنظيم التوجيه التربوي، عبر إدماجه في المشروع التربوي للمؤسسة، وتعيين مستشارين في التوجيه بمختلف المديريات، وإحداث مراكز جهوية ومحلية للإعلام والمساعدة على التوجيه

كما نص القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي على أهمية التوجيه في ضمان العدالة التربوية وتحقيق مبدأ الحق في الاختيار بالنسبة للمتعلمين.

لكن الواقع يكشف عن تفاوت كبير في استفادة التلاميذ من خدمات التوجيه، خاصة في العالم القروي أو داخل المؤسسات التي تعاني خصاصا في الموارد البشرية. وغالبا ما يتم اللجوء إلى التوجيه في فترات قصيرة وموسمية مثل نهاية السنة الدراسية، بدل أن يكون مسارا مستمرا ومصاحبا للتلميذ منذ مراحله الأولى من التعليم.

فالتوجيه المدرسي يعد جسرا حيويا يصل بين مقاعد الدراسة ومتطلبات الحياة العملية، إذ لا يقتصر دوره على تقديم معلومات حول الشعب والمسالك، بل يتعداه إلى كشف ملامح الواقع الاقتصادي وسوق الشغل في ضوء مخرجات التعليم والتكوين. فالتلميذ، من خلال هذا التوجيه، لا يرسم له فقط مسار دراسي، بل تفتح أمامه نوافذ لفهم ما ينتظره خارج أسوار المدرسة، مما يساعده على اتخاذ اختيارات أكثر وعيا واتساقا مع ميولاته وقدراته وفرص الاندماج المهني المتاحة. إنها محاولة لجعل الحياة المدرسية بداية فعلية لحياة أوسع، يشارك فيها المتعلم بفاعلية لا كمجرد متلق بل كمستشرف لمساره القادم.

من جهة أخرى، يواجه عدد من مستشاري التوجيه ضغطا كبيرا بسبب تكليفهم بتغطية عدد كبير من المؤسسات التعليمية، وهو ما يحد من إمكاناتهم في تقديم مواكبة فردية أو جماعية فعالة. وفي غياب التوجيه المنتظم، يجد كثير من التلاميذ أنفسهم أمام قرارات مصيرية تتخذ بناء على معلومات جزئية أو اختيارات عائلية لا تراعي بالضرورة خصوصياتهم الفردية.

ويلاحظ أيضا أن الوعي المجتمعي بأهمية التوجيه لا يزال محدودا، سواء في صفوف الأسر أو التلاميذ أنفسهم. ففي حالات كثيرة، ينظر إلى التوجيه كعملية إدارية أو شكل من أشكال الفرز، بدل اعتباره محطة بيداغوجية تهدف إلى بناء مشروع شخصي متكامل لدى المتعلم.

 كما تؤثر الصور النمطية بشكل ملحوظ في اختيارات التلاميذ، خصوصا ما يتعلق بالمسالك التقنية أو المهنية، حيث تعتبر أقل مكانة مقارنة بالمسالك العلمية أو الأدبية، رغم التحولات التي يعرفها سوق الشغل.

في المقابل، عرفت السنوات الأخيرة تطورا في استعمال الوسائل الرقمية لتوفير المعلومة التوجيهية، من خلال منصات إلكترونية مثلمسار، ومواقع المعاهد والجامعات، مما أتاح للتلاميذ إمكانيات إضافية للاطلاع على معطيات دقيقة ومحينة. كما بدأت بعض الأكاديميات الجهوية في تجريب نماذج جديدة تعتمد على التوجيه المبكر وتنظيم أيام إعلامية ودعوة مهنيين وخبراء للمساهمة في مرافقة التلاميذ.

ورغم محدودية هذه التجارب، فإنها تفتح آفاقا إيجابية لتطوير منظومة التوجيه، شريطة تعميمها وتوفير الموارد الكفيلة بضمان استمراريتها. فالتوجيه الفعال ليس مسؤولية المستشار وحده، بل يتطلب انخراطا فعليا من كل مكونات المجتمع التربوي، بما في ذلك الأساتذة والإدارة والأسر.

إن التوجيه في المغرب يشكل لبنة أساسية في بناء مشروع تربوي ناجح، غير أن نجاحه يظل رهينا بتعزيز موارده البشرية وتحسين تموقعه داخل المنظومة التعليمية، إلى جانب ترسيخ ثقافة جديدة تعتبر المتعلم محور العملية التربوية. فالمسألة لا تتعلق فقط بتحديد ما سيدرسه التلميذ، بل بمدى قدرته على اتخاذ قرار مدروس في ضوء طموحاته وكفاءاته وحاجيات سوق الشغل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى