هذا الموقع يحتوي على مقالات مترجمة آلياً بواسطة ذكاء اصطناعي، وقد يتضمن بعض الأخطاء غير المقصودة. يُنصح بالتحقق من المعلومات المهمة.

منبر الطلاب

الجامعة كمختبر للنضج الثقافي

عندما نسمع كلمة “جامعة”، قد يتبادر إلى الذهن فورا ذلك الفضاء الأكاديمي الذي يقصده الطلبة بهدف تحصيل الشهادات والتخصص في مجالات معرفية ومهنية، غير أن هذا التصور التقليدي بات قاصرا عن الإحاطة بالتحولات العميقة التي تشهدها الجامعة كمؤسسة وفضاء إنساني. فالجامعة لم تعد مجرد معمل لتلقي الدروس أو محطة عبور نحو سوق الشغل، بل أصبحت، في جوهرها، مختبرا حقيقيا للنضج الثقافي، ومنصة خصبة للإبداع، ومجالا حيا للتفكير الحر والتعبير عن الذات.

في هذا الفضاء الرحب، لا يكتفي الطالب بتلقي المعارف، بل يتعلم كيف يفكر، وكيف يصوغ رأيا، وكيف يراجع أفكاره في ضوء الحوار والاحتكاك بالآخر. فخلف جدران القاعات، وفي أروقة الندوات والملتقيات، تطرح الأسئلة الكبرى ، وتتصارع الرؤى، وتتشكل ملامح وعي جديد، أكثر جرأة وانفتاحا. إن الجامعة بهذا المعنى، ليست مجرد وسيلة لنقل المعرفة، بل بيئة تنتج الفكر وتبنى فيها الذات القادرة على النقد والمساءلة، لا تلك التي تستهلك الأجوبة الجاهزة.

ولا يكتمل المعنى العميق للجامعة من دون التطرق إلى ما تزخر به من طاقات إبداعية، غالبا ما تولد في صمت داخل قاعات النقاش أو أنشطة الجمعيات الطلابية. فكم من شاعر أو مفكر أو فنان، اكتشف شعلته الأولى بين جدران الجامعة؟ وكم من مشروع ثقافي أو مبادرة مجتمعية نمت من فكرة بسيطة عبر عنها طالب في ناد ثقافي أو على صفحات مجلة طلابية؟ هذا المناخ، القائم على الحرية والانفتاح والحوار، هو التربة الخصبة التي يحتاجها الإبداع كي ينمو ويزدهر، وهو ما يجعل من الجامعة فضاء لصناعة الخيال، لا مجرد مصنع للشهادات.

ورغم ما تحمله الجامعة  المغربية من إمكانات، فإن التحدي الذي يواجهها اليوم ليس معرفيا بقدر ما هو ثقافي وتربوي. فثمة ضرورة ملحة لتحرير هذا الفضاء من التهميش، ولإعادة الاعتبار للدور الحضاري الذي يمكن أن تلعبه في صناعة الإنسان، لا فقط الموظف. إن الجامعة التي نحتاجها هي تلك التي تزرع في طلابها القدرة على التفكير، لا مجرد مهارات التنفيذ؛ التي تعلي من قيمة السؤال بدلا من تقديس الجواب؛ وتمنح لكل صوت مساحته، ولكل اختلاف شرعيته، ولكل موهبة فرصتها في أن تثمر.

لذلك، فإن النظر إلى الجامعة بوصفها مجرد جسر إلى الوظيفة هو تقزيم لدورها الحقيقي. فالرهان الأكبر لا يتمثل في عدد الشهادات الممنوحة، بل في نوعية الإنسان الذي يغادر أسوارها: هل هو واع، ناقد، حر، ومبادر؟ أم مجرد نسخة مكررة من نظام لم يسأله يوما لماذا؟

إن إعادة الاعتبار للجامعة كمجال للنمو الثقافي والإبداعي ليست ترفا، بل حاجة مجتمعية ملحة. فمن يستثمر في عقول الشباب، يبني أساسا لمستقبل أكثر وعيا، وأكثر قدرة على التغيير، وأكثر غنى من حيث القيم والمعاني. إنها دعوة لأن نرى في الجامعة ما هو أعمق من البرامج والمقررات: ان نراها حاضنة تمتد فيها جذور الإنسان، لا تقص فيها أجنحته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى