هذا الموقع يحتوي على مقالات مترجمة آلياً بواسطة ذكاء اصطناعي، وقد يتضمن بعض الأخطاء غير المقصودة. يُنصح بالتحقق من المعلومات المهمة.

منبر الطلاب

صناعة المحتوى: بين الإبداع والتفاهة

في المشهد الرقمي الراهن، تبدو صناعة المحتوى كمرآة لوعينا الجماعي، تكشف بقدر ما تخفي، وتبني بقدر ما تهدم. ما كان يوما فنا يصاغ على مهل ويقدم بوعي، صار اليوم سباقا محموما تحكمه الخوارزميات وتغذيه الرغبة في لفت الانتباه، ولو بثمن رخيص. لم تعد الكلمة ميزان القيمة، بل عدد النقرات وعداد المشاهدات. وفي هذه السوق المفتوحة، يتجاور الإبداع الخالص مع الضجيج الفارغ، كما يتجاور الماء العذب مع الطين في مجرى واحد.

ثمة مأساة صامتة في هذا التحول: المحتوى الهادف، بما يحمله من فكر ومعرفة، يختفي في زوايا المنصات، وكأنه قطعة موسيقية رفيعة تضيع وسط مهرجان صاخب. أما ما يسمى بالمحتوى “الخفيف”، فقد تحول إلى بضاعة رائجة، لأنه يلبي إدمان السرعة، ويشبع حاجة الاستهلاك الفوري، دون أن يترك أثرا أو يفتح أفقا. ومع مرور الوقت، أصبح العقل الجماعي أكثر تعودا على الوجبات المعرفية السريعة، وأقل صبرا على النصوص العميقة أو الأفكار المعقدة.

غير أن المشكلة لا تكمن في المنصة وحدها، ولا في صانع المحتوى فحسب؛ فالمتلقي هو الحلقة الحاسمة في هذه المعادلة. كل إعجاب يمنحه، كل إعادة نشر، كل ثانية يقضيها في مشاهدة مادة ما، هي مشاركة فعلية في صناعة المشهد، وفي اختيار أي خطاب يتصدر. نحن، من حيث ندري أو لا ندري، شركاء في خلق هذا النظام الذي يرفع التفاهة إلى مرتبة النجومية، ويدفع الإبداع إلى الهامش.

ورغم هذه الغلبة للسطحيات، لا تزال هناك نخب مبدعة مستمرة؛ صناع محتوى يصرون على أن الرسالة لا تموت، وأن الجمال والفكر يمكن أن يجتمعا في قالب مشوق. هؤلاء، وإن بدوا أقلية، فهم أشبه بمن يزرع بذورا في أرض قاحلة، مؤمنين أن المطر سيأتي، ولو بعد حين. غير أن نجاحهم مرهون بوعي جماعي يرفض الانقياد الأعمى للتيار، وبمؤسسات إعلامية وثقافية تتبنى القيمة قبل الكم.

إن صناعة المحتوى اليوم امتحان حقيقي لوعينا: إما أن نجعلها جسرا نحو التنوير، أو نتركها تتحول إلى سوق صاخبة للتفاهة. الحرية الرقمية هبة كبرى، لكنها بلا وعي نقدي تتحول إلى عبء، ومعها نفقد القدرة على التمييز بين ما يغني الروح وما يستهلكها. والسؤال الذي يجب أن يطرح ليس: “ماذا يقدم لنا العالم الرقمي؟” بل: “ماذا نختار نحن أن نأخذ منه؟”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى