هذا الموقع يحتوي على مقالات مترجمة آلياً بواسطة ذكاء اصطناعي، وقد يتضمن بعض الأخطاء غير المقصودة. يُنصح بالتحقق من المعلومات المهمة.

منبر الطلاب

تحول الذوق الأدبي في عصر التسويق الرقمي

في زوايا المكتبات، وعلى رفوف تكاد تنسى وجودها، ترقد كتب كثيرة لم تلامسها يد منذ سنوات، وربما لم تفتح منذ أن طبعت. عناوين تغفو في صمت، ومؤلفون ماتوا مرتين: مرة حين طوى الموت صفحتهم الأخيرة، ومرة حين تجاهلتهم أعين القراء. في المقابل، تشهد بعض الإصدارات الحديثة ضجيجا لا يتناسب دائما مع محتواها، لكنها ببساطة أصبحت “ترند”. السؤال الذي يفرض نفسه في زمن السرعة، ليس عن جودة ما يقرأ، بل عن سبب انجراف القارئ نحو ما يروج له، حتى لو كان سطحيا أو عابرا.

القراءة، في جوهرها، فعل حر، لكن ما يحدث اليوم يجعلها أقرب إلى “سلوك جماعي موجه”. فقد غزت مواقع التواصل الاجتماعي عالم الكتب، وصارت الروايات تقيم بعدد الإعجابات، وتوصى بها لا لجودتها، بل لأن مؤثرة مشهورة قرأتها في جلسة تصوير. فيغدو الكتاب سلعة تخضع لآليات السوق: من يملك منصة واسعة، يملك القدرة على تحويل كتاب إلى “حديث الجميع”…
المشكلة لا تكمن فقط في صعود “الترند”، بل في اختفاء ما عداه. فالكتب العميقة، التي تتطلب جهدا وتأملا، لا تجد من يروج لها؛ لا لأنها رديئة، بل لأنها ببساطة لا تصلح لمنشور سريع أو فيديو ترويجي. صارت المساحة المتاحة للفكر، تختزل في كلمات قليلة تلتقط بسرعة ثم تنسى بسرعة أكبر. هكذا تهمل كتب كانت، ولا تزال، قادرة على تغيير قارئها من الداخل، لو أعطيت لها الفرصة.

المفارقة أن كثيرا من هذه الكتب المنسية لا تزال تحمل نبضا إنسانيا حيا، وقضايا تتجاوز الزمان والمكان. كتب كتبت من قلب التجربة، لا لهدف التصدر أو الانتشار، بل لإضاءة عتمة ما. لكنها اليوم تقصى لأن زمنها “انتهى”، أو لأن صاحبها ليس نشطا على “إنستغرام”. هنا تظهر فجوة عميقة بين القيمة الفعلية والنفوذ الرقمي، بين ما يستحق القراءة وما يستهلك فقط لأنه شائع.

من المؤلم أن تتحول القراءة من فعل وعي إلى ظاهرة استهلاك. أن يصبح القارئ أسير ذوق عام يصنع له، فيفقد تدريجيا حاسته الخاصة، ويخشى مخالفة السائد. وهذا ما يهدد ليس فقط تنوع القراءة، بل استقلالية القارئ نفسه. فما فائدة أن نقرأ جميعا الكتاب نفسه، بنفس الطريقة، ونخرج بالانطباع ذاته؟ ألا تفقدنا هذه النزعة أهم ما في الأدب والفكر: أن نختلف، أن نكتشف، أن نندهش؟

الكتب المنسية ليست مجرد أوراق مغبرة، بل ذاكرة معرفية وثقافية مهمشة. إعادة اكتشافها ليست ترفا نخبويا، بل ضرورة لحماية التنوع، واستعادة العمق في زمن السطحية. ربما آن الأوان لأن نكف عن سؤال: “ما هو الترند؟” ونسأل بدلا عنه: “ما الذي لم يقرأ بعد ويستحق أن يكتشف ؟”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى