هذا الموقع يحتوي على مقالات مترجمة آلياً بواسطة ذكاء اصطناعي، وقد يتضمن بعض الأخطاء غير المقصودة. يُنصح بالتحقق من المعلومات المهمة.

منبر الطلاب

النجاح بأي ثمن: الغش المدرسي بين ضغط المجتمع وأزمة القيم

في زمن بات فيه النجاح غاية تبرر الوسيلة، لم يعد مستغربا أن يتحول الغش المدرسي من سلوك فردي معزول إلى ظاهرة جماعية تتغلغل في الأوساط التعليمية بمختلف مستوياتها. فهو ليس مجرد خلل في سلوك طالب يبحث عن علامة، بل عرض صريح لأزمة أعمق: أزمة قيم يعيشها جيل تاهت عنه البوصلة الأخلاقية، وسط مجتمع بات يربط القيمة الإنسانية بالنجاح، لا بالسعي النزيه إليه.

لم تعد ظاهرة الغش تقتصر على تلميذ يخبئ ورقة في كمه أو طالب يهمس لزميله في امتحان، بل تطورت لتلبس وجوها جديدة، أبرزها التواطؤ الجماعي، الغش الإلكتروني، والاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي في حل الفروض والامتحانات. لقد أصبح المشهد مألوفا لدرجة مفزعة: طالب متفوق يتعثر لأنه اجتهد وحده، وآخر ينجح لأنه فقط عرف كيف “يتقن” أساليب الغش. في مثل هذا المناخ، تنهار الثقة في منظومة الاستحقاق، ويصبح التفوق بحد ذاته محل شك وسخرية.

يشتد وقع هذه الظاهرة كلما اقترب موعد الامتحانات، إذ تتحول المدارس إلى ساحات توتر واستعدادات سرية. يباع الغش في السوق السوداء، وتعد له صفحات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتستغل ثغرات النظام التربوي نفسه. ومع كل عملية غش تمر دون عقاب، يترسخ في أذهان التلاميذ أن النزاهة ضعف، وأن الذكاء لا يقاس إلا بمدى القدرة على التحايل.

إن الغش المدرسي ليس فقط انتهاكا لميثاق تربوي، بل تمرين مبكر على الفساد المجتمعي. فمن يعتاد على النجاح المزور في المدرسة، لن يتردد في تزييف الحقائق في الحياة المهنية لاحقا. من هنا، يعتبر كثير من الباحثين أن الغش المدرسي مرآة تعكس هشاشة البناء القيمي داخل الأسرة والمجتمع والمدرسة، بل وربما داخل السياسات التعليمية نفسها.

تؤكد دراسة دولية حديثة أن أكثر من نصف الطلاب في مؤسسات التعليم العالي يعترفون بممارسة الغش الأكاديمي، بينما يرى ثلثهم تقريبا أن ذلك لا يشكل مشكلة أخلاقية كبيرة. هذه الأرقام، وإن بدت مقلقة في ذاتها، فإن الأخطر منها هو التبريرات التي تبنى حولها: ضغط الامتحانات، صعوبة المواد، غياب الحوافز…

في السياق المغربي، ورغم المجهودات المبذولة لمحاربة الظاهرة عبر تطوير آليات المراقبة وتشديد العقوبات، فإن واقع الحال يكشف عن تفش مستمر. تشير تقارير تربوية إلى أن جزءا من الأزمة نابع من تصور مشوه لمفهوم النجاح ذاته: نجاح يختزل في النقطة والشهادة، لا في المعرفة والمهارة والاستحقاق.

من جهة أخرى، لا يمكن فصل الغش عن الأزمة الثقافية العامة. فحين يصبح الغش في الامتحان “شطارة”، ويتحول التلميذ الأمين إلى ساذج في أعين أقرانه، فإننا أمام انهيار في الهرم القيمي. وحتى المدرس الذي يفترض أن يكون قدوة، يجد نفسه أحيانا في موقع المتساهل، إما لأن المؤسسة تضغط من أجل نسب نجاح مرتفعة، أو لأنه ببساطة فقد الأمل في التغيير وسط منظومة غير متماسكة.

إن الخروج من هذا النفق لا يتحقق فقط بمزيد من الحواجز والمراقبين، بل بإعادة الاعتبار لقيمة الصدق والمثابرة. فحين يستعيد التلميذ ثقته بأن الجهد الصادق يثمن، وحين تكف الأسر عن الضغط المحموم لأجل النتيجة بغض النظر عن الوسيلة، يمكن وقتها أن نبدأ ببناء جيل لا يرى في الغش طريقا، ولا في التفوق المزيف انتصارا.

التربية ليست فقط تلقين معارف، بل بناء وعي أخلاقي حي. وأزمة الغش اليوم، في جوهرها، ليست أزمة سلوكيات فقط، بل أزمة ضمائر لم تجد من يوقظها، ولا من يقنعها بأن الطريق إلى النجاح قد يكون أطول وأصعب… لكنه وحده الذي يستحق أن يسمى نجاحا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى