منحة جدارة

في سياق تصاعد التفاوتات الاجتماعية وتزايد العراقيل التي تحول دون ولوج عدد من الطلبة المغاربة المتفوقين إلى التعليم العالي، تبرز منحة مؤسسة “جدارة” كإحدى المبادرات المواطِنة التي تسعى إلى تكريس مبدأ العدالة التعليمية وتكافؤ الفرص، من خلال دعم شامل يستهدف الشباب المنحدرين من فئات اجتماعية هشة.
وقد أعلنت المؤسسة مؤخرا عن استقبالها لأكثر من 26 ألف ترشيح للاستفادة من برنامجها للمنح برسم الموسم الجامعي 2025-2026، في مؤشر واضح على مدى الإقبال المجتمعي الكبير، وحجم الانتظارات التي باتت تحيط بهذه المبادرة من لدن التلاميذ وأسرهم.
تأسست مؤسسة جدارة سنة 2001، وكانت تعرف سابقا باسم “المؤسسة المغربية للطالب”، كجمعية غير ربحية ذات منفعة عامة. وتهدف منذ نشأتها إلى تمكين الشباب المغربي من الولوج إلى تعليم جيد، دون أن تشكل الأوضاع المادية أو المجالية عائقا أمام طموحاتهم الأكاديمية. وعلى مدى أكثر من عشرين سنة، التزمت المؤسسة بدورها كمحفز للتغيير من خلال مقاربة تشاركية تعتمد على إشراك مختلف الفاعلين من القطاعين العام والخاص، في أفق بناء مجتمع أكثر إنصافا واستدامة.
تفتح المؤسسة باب الترشيح أمام التلاميذ الحاصلين على شهادة البكالوريا خلال السنة الجارية أو في السنوات الثلاث السابقة، بما يشمل أيضا الحاصلين على الباكالوريا الحرة. ويتم منح الأولوية للطلبة الذين يواجهون ظروفا اجتماعية أو مجالية صعبة، كأبناء الأسر ذات الدخل المحدود، أو القاطنين بالمناطق القروية والنائية، أو المقيمين بدور الرعاية الاجتماعية (دار الطالب، دار الأيتام…). وتعكس هذه المعايير رؤية المؤسسة القائمة على إعلاء قيمة الكفاءة، وتوفير الفرصة لكل من يستحقها بغض النظر عن خلفيته.
المنحة لا تقتصر على تقديم دعم مالي شهري يقدر بحوالي 1000 درهم، بل تشمل أيضا مكونات أخرى تأهيلية وتوجيهية. حيث توفر المؤسسة لحاملي المنحة حواسيب محمولة، وتساعدهم على إيجاد سكن جامعي أو بديل عنه، كما تنظم لفائدتهم ورشات تكوينية، وترافقهم نفسيا وتربويا، بما يجعل المنحة مشروعا متكاملا للاستثمار في الرأسمال البشري.
ويتم انتقاء المستفيدين من خلال سلسلة مراحل تبدأ بالتسجيل الإلكتروني، ثم المرور بعملية انتقاء أولي قائمة على معايير دقيقة، قبل الخضوع لمقابلات شخصية واختبارات تهدف إلى قياس مدى الجاهزية والالتزام، وذلك لضمان اختيار يستند إلى الجدارة لا غير.
تعتمد مؤسسة جدارة في عملها على منطق الاستحقاق، وتشتغل برؤية تعتبر أن بناء مجتمع عادل لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الاعتراف بالكفاءات ومساعدتها على تحقيق ذاتها. فدعمها لا ينطلق من باب الإحسان، بل من إيمان بأن لكل طالب مجتهد الحق في تحويل تفوقه إلى مسار نجاح واقعي ومستقل.
وبين التحديات البنيوية والرهانات التنموية، تظل منحة جدارة تجربة رائدة تنجح، عاما بعد عام، في منح التفوق فرصة أن يتحول إلى مسار حياة، لا أن يوأد في مهد الظروف.