التكوين المهني: مسار بديل أم مستقبل واعد؟

في وقت يتزايد فيه الطلب على الكفاءات التقنية والمهارات التطبيقية في سوق الشغل المغربي، يبرز التكوين المهني، الذي يشرف عليه مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل (OFPPT)، كمسار واعد يمكن الشباب من ولوج الحياة المهنية بسرعة وكفاءة. وقد تأسس المكتب سنة 1974، ويعد اليوم الفاعل الأول في التكوين المهني بالمغرب، حيث يشرف على أكثر من 400 مؤسسة ويقترح عروضا تكوينية تغطي أزيد من 700 مسلك موزعة على 18 قطاعا، منها الصناعة، الطيران، السياحة، الرقمنة، الفندقة، الخدمات الصحية، وغيرها.
ورغم أهمية هذا التكوين، إلا أنه ما يزال يواجه في بعض الأوساط المجتمعية نظرة دونية تعتبره خيارا اضطراريا يلجأ إليه بعد “فشل” دراسي، لا خيارا استراتيجيا لبناء مسار مهني ناجح. هذه النظرة غالبا ما تكرسها الأحكام المسبقة، في الوقت الذي تثبت فيه الأرقام عكس ذلك.
فبحسب معطيات رسمية قدمها وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، السيد يونس السكوري، أمام البرلمان في يوليوز 2024، فإن معدل الإدماج المهني لخريجي التكوين المهني تجاوز 70% مباشرة بعد التخرج، وبلغ 90% في غضون ثلاث سنوات، وهو ما يشير إلى فعالية هذا المسار في مكافحة بطالة الشباب. أما في قطاع صناعة السيارات، فقد بلغ معدل الإدماج نحو 72%، ليكون من بين القطاعات الأكثر استيعابا لخريجي التكوين المهني.
في الموسم التكويني 2021-2022، تم تسجيل أزيد من 320 ألف متدرب بمؤسسات OFPPT، في وقت تجاوز فيه عدد طلبات التسجيل المقاعد المتاحة، خاصة في مستوى “تقني متخصص” حيث بلغت المنافسة أكثر من 7 طلبات لكل مقعد، وهو ما يعكس إقبالا متزايدا من طرف الشباب على هذا النوع من التكوين.
ولا تقتصر فرص الإدماج على العمل في المقاولات، بل تشمل أيضا إمكانية التشغيل الذاتي، خصوصا مع إطلاق الدولة لبرامج الدعم والمواكبة الموجهة لحاملي المشاريع من خريجي التكوين المهني. كما أن المكتب يعمل على تحديث مناهجه وتطوير قدرات مؤطريه، وربط علاقات شراكة مع الفاعلين الاقتصاديين من أجل تكوين يستجيب لحاجيات سوق الشغل.
ففي ظل أرقام البطالة المرتفعة، خاصة في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، تزداد أهمية التكوين المهني كخيار استراتيجي لتقليص هذه المعدلات. فقد ارتفع معدل بطالة هذه الفئة إلى 36.7% في نهاية سنة 2024، وبلغ 37.7% خلال الربع الأول من سنة 2025، حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط. هذه الأرقام المقلقة تعكس حجم التحدي الذي يواجهه الشباب المغربي في ولوج سوق الشغل، وتؤكد الحاجة إلى مسالك تكوينية عملية وناجعة، تمكنهم من تحقيق الاستقلال الاقتصادي والاجتماعي بعيدا عن البطالة المزمنة.
إن النجاح لا يقتصر على الحصول على شهادة جامعية، بل يمكن أن يصنع أيضا في ورشة أو مصنع أو مختبر. ويبقى التحدي الأكبر هو تحرير العقل المجتمعي من سلطة التصورات القديمة، والاعتراف بقيمة التكوين المهني كممر حقيقي نحو مستقبل مهني مشرق، لا مجرد حل أخير لمن ضاعت منه فرصة التعليم العالي.