هذا الموقع يحتوي على مقالات مترجمة آلياً بواسطة ذكاء اصطناعي، وقد يتضمن بعض الأخطاء غير المقصودة. يُنصح بالتحقق من المعلومات المهمة.

منبر الطلاب

بين الواقع والمأمول.. المنح الجامعية تحت مجهر التساؤل

تعد المنح الجامعية في المغرب من أبرز آليات الدعم الاجتماعي التي تسعى من خلالها الدولة إلى تخفيف الأعباء المالية عن الطلبة المنحدرين من أسر ذات دخل محدود، ومساعدتهم على مواصلة مسارهم الأكاديمي في ظروف أكثر استقرارا. لكن في مقابل ما يبدو دعما مباشرا، تبرز إشكالات عميقة تتعلق بمعايير الاستفادة، وضعف القيمة المالية.

تعتمد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في تحديد المستفيدين من المنحة على مجموعة من المعايير المرتبطة بالوضعية الاقتصادية والاجتماعية للطالب وأسرته، ويشترط للاستفادة أن يقل عمر المترشح عن 26 سنة بتاريخ اجتياز امتحانات الدورة العادية لنيل شهادة البكالوريا، وأن يكون حاصلا على شهادة البكالوريا برسم السنة الدراسية الجارية، مع ضرورة استيفاء عتبة الاستحقاق المحددة من طرف اللجنة الوطنية للمنح الدراسية. وقد تم مؤخرا اعتماد السجل الاجتماعي الموحد كمرجعية مركزية لتقييم الطلبات بشكل أكثر دقة وشفافية. في هذا السياق، أوضح وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، السيد عز الدين ميداوي، أن الاعتماد على هذا السجل سيسهم في تحسين استهداف الفئات الأكثر حاجة، وتجاوز بعض النقائص التي كانت تسجل في عملية الانتقاء خلال السنوات الماضية.

وخلال السنة الجامعية 2024–2025، تلقت الجهات المختصة ما مجموعه 187 ألف طلب للاستفادة من المنحة، تم تلبية 174 ألفا منها، أي بنسبة استجابة بلغت 93%. وقد سجل التوزيع الجغرافي للمنح نسب استجابة مرتفعة ومتقاربة عبر مختلف الأقاليم، حيث بلغت نسبة الاستفادة 100% في 15 إقليما، وتجاوزت 90% في 62 عمالة وإقليما، وبلغت بين 80% و90% في 15 عمالة أخرى، بينما لم تتجاوز 5 عمالات عتبة 80%. وقد أشار الوزير إلى أن هذه النسبة تعبر عن “جهود كبيرة تبذلها الدولة في هذا الملف”، مضيفا أن الهدف هو الوصول إلى 450 ألف مستفيد في أفق الموسم الجامعي 2026–2027.

ورغم اتساع دائرة المستفيدين، إلا أن قيمة المنحة لا تزال تعد غير كافية لمواكبة تكاليف الدراسة الجامعية، خاصة في المدن الكبرى. فقد صرح السيد عز الدين ميداوي بأن “المنحة ضعيفة ولا تكفي”، مؤكدا أن الوزارة تدرس إمكانية صرفها شهريا بدل النظام الحالي القائم على دفعات فصلية، وذلك بهدف مساعدة الطلبة على تنظيم مصاريفهم بشكل أفضل. لكن لحد الساعة، لا تزال هذه الإجراءات في مرحلة “الدراسة”، دون تفعيل فعلي على أرض الواقع، ما يبقي الطلبة في مواجهة مباشرة مع تحديات السكن، والنقل، والتغذية، واقتناء الأدوات الدراسية.

وقد تفاعلت المؤسسة التشريعية مع هذا الملف، حيث تقدمت فرق برلمانية خلال شهر ماي 2025 بأسئلة كتابية وشفوية، دعت فيها إلى رفع قيمة المنحة وتوسيع قاعدة المستفيدين، خاصة في صفوف الطلبة المنحدرين من المناطق القروية أو الهامشية. كما طالبت بضرورة ضمان انتظام صرف المنح، وتوفير مرافقة اجتماعية للطلبة غير الممنوحين، مشددة على أن التعليم العالي يجب أن يكون حقا مكفولا للجميع، لا امتيازا لفئة دون أخرى.

وجاء تصريح المسؤول الحكومي خلال تقديمه عرضا أمام لجنة الثقافة والتعليم والاتصال بمجلس النواب، حول موضوع “منظومة التعليم العالي.. الوضعية وآفاق التطوير”، حيث كشف أن الوزارة وضعت تصورا جديدا يروم توسيع قاعدة المستفيدين من خدمات السكن والإطعام الجامعي، في إطار التخفيف من حدة الظروف الاجتماعية التي يعاني منها الطلبة. وفي هذا السياق، أكد الوزير أن الحلول المنتظرة لا تقتصر على القطاع الحكومي فقط، بل تشمل أيضا شراكات متعددة المستويات، من بينها القطاع الخاص، ومجالس الجهات، والجماعات الترابية، بهدف تعزيز بنيات الاستقبال وتحسين جودة الخدمات الجامعية. وأشار إلى أن بعض المقترحات لا تزال قيد الدراسة وستعرض لاحقا على المجلس الأعلى للتربية والتكوين، تمهيدا لطرحها داخل المؤسسة التشريعية. كما أبرز الوزير مجموعة من التدابير الاستراتيجية الرامية إلى تحسين الحياة الجامعية، من بينها تجويد حكامة المكتب الوطني للأعمال الجامعية الاجتماعية والثقافية، ومراجعة الإطار القانوني المنظم له (القانون رقم 00-81)، إضافة إلى بلورة نموذج جديد للشراكة في بناء وتدبير الأحياء والمطاعم الجامعية، وتحسين البنيات التحتية والخدمات الصحية الموجهة للطلبة.

ورغم التصريحات الإيجابية الصادرة عن الوزارة، والتي توحي برغبة في تطوير النظام الحالي، إلا أن تنزيل هذه الإصلاحات يظل رهينا بتوفر الاعتمادات المالية، وبمدى جاهزية الشركاء المؤسساتيين، خاصة الجماعات الترابية والقطاع الخاص. وقد أشار الوزير إلى أن تمويل المنح يجب أن يكون “جهدا جماعيا” لا يقتصر فقط على وزارة التعليم العالي، وإنما يشارك فيه مختلف الفاعلين في الدولة، بما في ذلك مؤسسات الحماية الاجتماعية والمجالس الجهوية.

فحتى وإن كانت أرقام الموسم الحالي تظهر تحسنا نسبيا في عدد المستفيدين، فإن العدالة الاجتماعية في توزيع المنح لا تزال تطرح إشكالات جوهرية، تتعلق بالمعايير، والقيمة، والتغطية. وفي انتظار تفعيل آلية الصرف الشهري ورفع قيمة الدعم، تبقى فئة واسعة من الطلبة في مواجهة مباشرة مع الهشاشة والحرمان، في غياب بدائل حقيقية تكفل لهم حق التعليم الكريم والمنصف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى