الوعي الذاتي والتنظيم: أساس إدارة الضغط المدرسي

في ظل تصاعد التحديات الدراسية وتزايد الأعباء الأكاديمية، أصبح الضغط المدرسي واقعا يعيشه الكثير من التلاميذ والطلبة يوميا. هذا الضغط قد يختلف في أسبابه من طالب إلى آخر، لكنه يؤثر بلا شك على التحصيل الدراسي وعلى الصحة النفسية والجسدية. غير أن مواجهة هذا الضغط لا تقتصر فقط على كثرة الدراسة والاجتهاد، بل تتطلب مهارات أعمق تتعلق بفهم الذات وتنظيم الحياة.
يعد الوعي الذاتي نقطة البداية الأساسية في إدارة الضغط، إذ يمكن الطالب من إدراك مشاعره وأسباب قلقه، سواء كانت مخاوف من الرسوب، منافسة الزملاء، أو ضغوط الأسرة. هذا الفهم لا يعني الغوص في التفاصيل بلا فائدة، بل تقبل المشاعر كما هي دون إنكار، مما يمكن الطالب من اختيار الطرق المناسبة لمواجهة ضغوطه بدلا من استنزاف طاقته في مقاومة عشوائية.
أما التنظيم الشخصي فهو الجانب العملي الذي يترجم هذا الوعي إلى سلوك فعال. عبر تنظيم الوقت، ترتيب الأولويات، ووضع خطة للدراسة والمراجعة مع تخصيص فترات للراحة والترفيه، يستطيع الطالب أن يخلق توازنا يقلل من الإجهاد ويزيد من تركيزه. هذا التنظيم يعزز شعوره بالتحكم بمسار يومه ويزيد ثقته بنفسه، بعيدا عن الفوضى الذهنية التي تصاحب الضغط غير المنظم.
لكن الوعي والتنظيم ليسا وحدهما ما يكفيان. فإدارة الضغط بشكل ناجح تحتاج إلى منظومة متكاملة تشمل عوامل أخرى أساسية. فالدعم الاجتماعي من الأسرة والأصدقاء والمعلمين يوفر للطالب بيئة يشعر فيها بالأمان والطمأنينة، ويساعده على مواجهة التحديات النفسية. كما تلعب المهارات الانفعالية، مثل التحكم بالغضب والتعامل مع الفشل، دورا مهما في بناء قدرة الطالب على التكيف مع المواقف الصعبة.
وتدعم دراسة البرنامج الدولي لتقييم الطلبة (PISA) لعام 2018 الصادرة عن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) هذه الرؤية، إذ تؤكد أهمية بيئة مدرسية إيجابية تعزز شعور الطالب بالانتماء والدعم. فقد أظهرت النتائج أن الطلاب الذين يشعرون بدعم أكبر من معلميهم يحققون أداء أفضل في القراءة والمواد الأخرى، مما يعزز ثقتهم بأنفسهم ويطور وعيهم وتنظيمهم الذاتي.
لكن الدراسة تشير أيضا إلى تحديات أخرى مثل الغياب والتأخر المدرسي، إذ بينت أن 21% من الطلاب في متوسط الدول المشاركة تغيبوا عن يوم دراسي كامل، و48% تأخروا خلال الأسبوعين السابقين للاختبار، مع تفاوت بين الدول، حيث كانت معدلات الغياب مرتفعة في دول مثل جورجيا، الجبل الأسود، السعودية وتركيا، بينما الدول ذات الغياب الأقل مثل الصين، إستونيا، فنلندا، واليابان، حققت نتائج أفضل.
وعلى صعيد الدعم الأسري، كشفت الدراسة أن 41% فقط من أولياء الأمور يتواصلون مع المعلمين من تلقاء أنفسهم بشأن تقدم أبنائهم، وأن العوائق مثل ضيق الوقت والتزامات العمل تؤثر في قدرة الأسرة على المشاركة الفعالة في متابعة الدراسة، مما يستدعي مزيدا من التعاون بين المدرسة والأسرة.
ولا يمكن إغفال تأثير الصحة الجسدية في مواجهة الضغط، فالنوم الكافي، التغذية المتوازنة، وممارسة الرياضة، جميعها عوامل ترفع من قدرة الطالب الذهنية والجسدية على الصمود أمام الضغوط.
إن الضغط المدرسي لن يختفي تماما، فهو جزء لا يتجزأ من رحلة التعلم، ويمكن أن يكون دافعا إيجابيا للإنجاز. لكن الفرق يكمن في كيفية التعامل معه: هل نسمح له بأن يتحول إلى عبء يكسر العزيمة، أم نحوله إلى قوة دافعة توجه بعقل ووعي؟ والجواب يبدأ من داخل الطالب نفسه، حين يختار أن يفهم ذاته، ينظم يومه، ويحافظ على توازنه النفسي والجسدي، مدعوما بعائلته وأصدقائه ومحيطه.