هذا الموقع يحتوي على مقالات مترجمة آلياً بواسطة ذكاء اصطناعي، وقد يتضمن بعض الأخطاء غير المقصودة. يُنصح بالتحقق من المعلومات المهمة.

منبر الطلاب

الطالب بين الطموح والضغوط

في بهو الجامعة، حيث تتقاطع الاحلام مع الواقع، لا يسمع دائما صوت الطالب حين يتألم. بين مدرجات مكتظة، ومحاضرات لا تترك للانفاس متسعا، وسباق محموم نحو التميز، تتوارى خلف الوجوه المبتسمة ملامح التعب، والقلق، والانكسار. هناك حيث يفترض ان تزهر العقول، تذبل الارواح بصمت.

الجامعة، التي خلقت لتكون معقلا للمعرفة والتحرر الفكري، باتت في كثير من الاحيان بيئة تختنق فيها الارواح تحت وطأة الضغوط. فما بين متطلبات الدراسة، وقلق المستقبل، وتضاؤل فرص الشغل، اصبح التفوق عبئا نفسيا لا حافزا للتطور. ولم يعد الامر يخص طالبا او جامعة بعينها، بل صار واقعا عاما تؤكده تقارير ودراسات عالمية، تظهر تزايد نسب القلق والاكتئاب في اوساط طلاب الجامعات، لا سيما بعد جائحة كوفيد 19، التي عمقت عزلة الشباب واربكت توازنهم النفسي.

اما في العالم العربي، فلا تزال الصحة النفسية حبيسة التهميش، اذ تغيب الاحصائيات الدقيقة، وتغيب معها السياسات الممنهجة، وكان العناية بنفسية الطالب ترف لا يدخل في اولويات الاصلاح الجامعي. ذلك رغم ان الطالب، في نهاية المطاف، ليس مجرد وعاء معرفي يملأ بالمقررات، بل انسان يحمل في داخله احلاما واسئلة، شكوكا وهشاشة، ويقف عند مفترق طرق بين طموحاته الذاتية وانتظارات مجتمعه.

فما بين ضغط التخصص، ورهانات الاسرة، وتكاليف الحياة الجامعية، تتراكم على كاهل الطالب احجار ثقيلة قد لا يراها الاخرون، لكنها تنهك روحه بصمت. التفوق في هذا السياق لا يعني دائما النجاح، بل احيانا يكون قناعا يخفي خلفه الانهيار.

وقد شدد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس ادهانوم غيبرييسوس، على ضرورة الاسراع بشكل كبير في زيادة الاستثمار في الصحة العقلية بقوله: “لا توجد صحة بدون صحة نفسية.”

ورغم هذا الواقع المعقد، بدأت بعض البوادر الفردية في الجامعات تنبت املا جديدا، من خلال مبادرات طلابية وجمعوية تهدف الى فتح النقاش حول الصحة النفسية. غير ان هذه المبادرات، على اهميتها، تظل محدودة الاثر ما لم تواكب بمقاربة مؤسساتية شاملة، تدرج الصحة النفسية في صلب المشروع الجامعي، لا على هامشه. اذ لا يمكن الحديث عن جودة التعليم في ظل بيئة لا تراعي السلامة النفسية للطالب، ولا توفر له فضاء انسانيا آمنا يسمح له بالتعلم والنضج والابداع.

وفي هذا السياق، اطلق المنتدى المتوسطي للشباب بالمغرب، يوم الاثنين 24 فبراير 2025، بشراكة مع كلية علوم التربية بالرباط، مشروعا طموحا بعنوان “التثقيف الوجداني والمقاربات التشاركية لدعم الصحة النفسية للشباب”، في خطوة تعد من ابرز التحركات المؤسساتية التي تروم النهوض بالوعي الجماعي تجاه هذا الملف الحيوي.

ويهدف هذا المشروع الى توعية ازيد من 5000 شاب مغربي بخطورة الاضطرابات النفسية، في ظل ارقام عالمية صادمة تشير الى ان اكثر من مليار شخص حول العالم يعاني من شكل من اشكال هذه الاضطرابات. ويسعى القائمون على المشروع الى تعزيز رفاهية الشباب من خلال بناء قدرات العاملين معهم، وتطوير التثقيف الوجداني والمقاربات التشاركية، وتنظيم حملات توعوية ميدانية، فضلا عن انشاء روابط وشراكات بين اكثر من 300 جهة فاعلة، من بينها حوالي 100  مغربية.

ويمتد المشروع على مدى سنتين، من نونبر 2024 الى اكتوبر 2026، وينفذ بالتعاون مع عدد من المنظمات الفاعلة في مجال الشباب بكل من المغرب، ولبنان، والاردن، وبلجيكا، وايطاليا. وهو ما يمنحه بعدا اقليميا ودوليا، ويجعل من التجربة المغربية مرجعا محتملا في رسم سياسات الصحة النفسية الجامعية مستقبلا.

وفي تصريح له، اكد جواد الوافي، منسق المشروع، ان “الصحة النفسية والعقلية اصبحت من المواضيع المهمة المطروحة اليوم في المغرب”، مشيرا الى ان التقرير الاخير للمجلس الاعلى للحسابات جاء ليؤكد هذه الاهمية، ويوصي بايلاء الصحة النفسية العناية اللازمة ضمن سياسات الدولة.

فقد سلط تقرير المجلس الاعلى للحسابات لسنة 2023 2024 الضوء على اعطاب المنظومة الصحية النفسية في المغرب، كاشفا عن معيقات هيكلية تحد من فعاليتها، وعلى رأسها النقص الحاد في الموارد البشرية، وضعف البنيات التحتية، وغياب التكامل بين المؤسسات. وهي مؤشرات تؤكد ان الجهود المبذولة، رغم تزايدها، لا تزال دون مستوى التطلعات، وتستدعي اصلاحات جذرية تضع صحة الانسان، الجسدية والنفسية، في قلب السياسات العمومية.

لقد بات الاعتراف باهمية الصحة النفسية في الفضاء الجامعي ضرورة لا تحتمل التأجيل. فالطالب اليوم يعيش على ايقاع زمن متسارع، تربكه فيه تقاطعات النجاح والانهيار، التميز والانطواء، الامل والقلق. فلم يعد بالامكان الاستمرار في تجاهل الندوب غير المرئية التي تتراكم بصمت داخل جدران الكليات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى